لمسة وفاء للراحل العزيز
قاسم حسين
كاتب بحريني
في لمسة وفاء جميلة، نظّمت جمعيتا «الصم» و«رعاية مرضى السكلر»، حفلاً تأبينياً مشتركاً، للشاب الراحل سعيد أبوعلي، في ذكرى مرور أربعين يوماً على رحيله. وكان لافتاً حجم الحضور، من أعضاء الجمعيتين، فضلاً عن أهالي النعيم، مسقط رأس الشاب الذي قضى في نوبة «سكلر» حادة لم تمهله طويلاً، ليصبح الرقم 43 بالعام 2014 من ضحايا هذا المرض الوراثي المستوطن في البحرين منذ قرون.
التأبين اشتمل على مجلس عزاء، ثم كلمةٍ لنائب رئيس جمعية الصم، استذكر فيها ذكرياته مع زميله الراحل، الذي عُرف بابتسامته الدائمة، وحسن تعامله مع الجميع، ومده يد المساعدة الممكنة لرفاقه. وفي الفيلم التوثيقي القصير، كانت الابتسامة الوادعة التي يظهر بها في كل الصور هي السر الذي أكسبه محبة كل هؤلاء الحضور. فالإنسان ليس بماله وسلطانه، فمثل هذا المواطن الشاب البسيط، لم يكن يملك أملاكاً ولا عقاراً، ولكنه كان يملك ما هو أغلى منهما: «حسن المعاملة» الذي أكسبه محبة الناس.
في كلمته، أعرب رئيس جمعية رعاية مرضى السكلر عن أسفه لأنه لم يعرف الراحل إلا في الساعة الأخيرة من حياته، حيث لم يكن مسجلاً لدى الجمعية أو معروفاً لديها بإصابته بالمرض. وكانت الوزارة قد اتصلت بالجمعية لمعرفة أهله بعد ساعة وفاته، بعدما تعذّر الاتصال بزوجته التي تعاني من الإعاقة السمعية نفسها.
في جمعية الصم، كان من المشاركين الدائمين في فعالياتها وأنشطتها المتنوعة، من محاضرات ودورات تعليمية، ومسابقات ورحلات ترفيهية... وكان آخرها رحلة تم تنظيمها للكويت العام الماضي. وفي عطلة عيد الفطر المبارك (صيف 2013)، شارك في رحلة الجمعية إلى منطقة «أبها» غرب السعودية.
في هذه الرحلة، وبسبب برودة الجو والمناطق الجبلية المرتفعة، تعرّض ابنه الصغير والوحيد لنوبة «سكلر»، فأدخل أحد المستشفيات ليقضي ليلته هناك حتى اليوم التالي. وكانت فرصةً لأشاهد عن قرب فصلاً جديداً من معاناة هذه الفئة التي تدفع ضريبة المرض مرتين: مرةً عبر الوراثة، ومرةً عبر التقصير والإهمال الحكومي، حيث لم تفلح وزارة الصحة بكامل قدراتها وإمكاناتها، في إيجاد حلٍّ يوقف هذا النزيف في أرواح المرضى، وأكثرهم من الشباب في سن غضة. وهكذا ظللنا نفقد سنوياً ما لا يقل عن 45 روحاً بشرية، بمعدل 4 ضحايا شهرياً، دون أن يهزّ ذلك شعرةً واحدةً في مفرق وزارة الصحة العتيدة.
أكتب بحزن وأسى، وأنا أعدّد الضحايا وأستذكر صورهم وأطيافهم، وأعود لأكتب مقالاً جديداً كلما سقطت ضحية جديدة من ضحايا هذا المرض الغادر. بعضهم صغار سن، وبعضهم يخلفون وراءهم أسراً وأيتاماً. كل هؤلاء بشرٌ ولهم حقوقٌ واجبةٌ على الدولة، أولها حقّ الرعاية الصحية، وعدم تركهم فريسةً للإهمال وسوء الإدارة والتقصير في العلاج. أليس حراماً أن يقضي شابٌ بسبب عدم وجود سرير فارغ في قسم العناية المركّزة في اللحظة المناسبة، أو لعدم وجود طبيب مناوب مختص أيام الإجازة الأسبوعية، أو لتطبيق «بروتوكول» صحي مثير للجدل يتسبّب في وفاة عدد أكبر من المرضي بدل تقليلهم والتخفيف من معاناتهم وآلامهم؟.
بقعة الضوء التي تنشقّ عنها هذه الظلمة، هو ما تجده من روح التآلف والتآزر والترابط الأخوى العميق بين ضحايا المرض والإهمال
|