يعيش الجميع اليوم عصر الثورة المعلوماتية التي تنتشر فيها الأفكار و المعلومات بسرعة و سهولة من و إلى أي بقعة من بقاع العالم، و لكن ما فائدة هذا الكم الهائل من المعلومات في ظل هيمنة رأي واحد و فلسفة واحدة على نوعية هذه المعلومات، و أعني بذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي تعكس بمثل هذه الأفعال حقيقة العالم الذي تمثله و تريد في نفس الوقت.
شبكة النعيم الثقافية - 2013/04/28 - [الزيارات : 8190]
بحريني وبحراني، لفظان يقسمان مجتمع البحرين مذهبيا، في حين أن المطلوب منهم هو وصف مواطني البحرين، والحال أن أحد اللفظين صحيح عربي قديم، والآخر أعجمي حديث، وقد كتب الكثيرون في هذا المعنى مصححين الوضع من ناحية لغوية، الا أننا هنا نريد أن نتتبع اللفظين من ناحية تاريخية، ونسلط الضوء على استعمالات ودلالات لفظ "بحراني" واختلاف الدلالة والاستعمال عبر التاريخ.
إعلان لاسطوانات بحرانية للمطرب محمد بن فارس آل خليفة
1. أصل اللفظين، ومشكلة التعريب:-
لفظ "بحريني" هي لفظ أعجمي غير عربي في أصله، وهي تعريب للنسبة الإنجليزية للبحرين Bahraini، وهنا نشير الى أن استخدام الألفاظ المعربة مقبول في اللغة العربية كالتليفون والتلفزيون والراديو وغيرها، فاللغة العربية قادرة على استيعاب الجديد ما دمنا لا نملك مرادفا عربيا لهذه الأسماء الجديدة، إلا أنه من غير المقبول تعريب شيء موجود في اللغة اصلا، فلفظة "بحراني" معناها المنتمي الى البحرين وعلى هذا تاريخ اللفظ ومعناه في المعاجم العربية، ومثال ذلك:-
أ. الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت173 هـ):رجل بحراني، منسوب إلى البحرين، وهو موضع بين البصرة وعمان.
ب. سيبويه (ت180هـ): تقول في بهراء بهراني، وفي صنعاء صنعاني، كما تقول بحراني في النسب إلى البحرين وهي مدينة.
ج. يحيى اليزيدي (ت 202 هـ): إنما قالوا بحراني في النسب إلى البحرين، ولم يقولوا بحري ليفرقوا بينه وبين النسب إلى البحر.
د. أبو العباس الجوهري (ت393هـ): البحرين بلد، والنسبة إليه بحراني.
المؤتمر الوطني البحراني، بقيادة الزياني والبوفلاسة ولم يكن بينهم شيعة
2. المدلول المذهبي للفظ بحراني:-
ارتبط لفظ "بحراني" بالشيعة، حتى أصبح البعض لا يفرق بين معنى "بحراني" و"شيعي" وذلك أن سكان البحرين الاصليين هم من الشيعة، وهذا اللفظ لا يشمل شيعة أوال فقط، بل يشمل شيعة البحرين الكبرى الممتدة غرب الجزبرة العربية من جنوب البصرة الى صحار في عمان وأصالة الشيعة في هذه البلاد أمر ثابت لا ينكره الا جاهل لا يستحق الرد عليه، وهنا يصدق الاستشهاد بقول المتنبي:-
من منشورات هيئة الاتحاد الوطني التي كانت تخاطب عموم الشعب
3. لفظ بحراني، المعنى الاثني في خضم التغير السكاني:-
منذ قديم الزمان عاش العرب من قبائل عبدقيس وبكر وتغلب ابناء ربيعة في البحرين، وامتزجوا بحضارة دلمون، فتولد من ذلك التمازج شكل اثني تميز به البحارنة عن بقية العرب في لهجاتهم وسماتهم الجسدية وتحضرهم وعاداتهم، الا أن هناك تغييرا ً طرأ على التكوين الديموغرافي قبيل الغزو البرتغالي بسيطرة عرب الجبور على البحرين، ثم بتزايد تواجد الهولة في البحرين، وتزايد القبائل النجدية بعد سيطرة آل خليفة على جزيرة اوال، فأصبح هناك "البحراني" وهو من السكان العرب الاصليين، و"الهولي" الوافد من ساحل فارس، و"العجمي" وهو الوافد من ايران الداخل (وبين الهولة والعجم فرق في اللغة) و"العربي" وهو المنتمي للقبائل البدوية التي قدم أغلبها مع آل خليفة (عربي هنا تعني ابن قبيلة، وقد استخدمت بمعنى سني كون أبناء القبائل غالبيتهم سنة وانتقل معناها من الرجل الذي أصله عربي، الى العربي ابن القبيلة، ثم إلى العربي ابن القبيلة السني)، وبالتالي أصبح لفظ "بحراني" يدل على مجموعة اثنية معينة، لها صفاتها المميزة. وبعد هذا التغير الديمغرافي الاثنيات الجديدة مشكلة في استخدام هذا لفظ (بحراني) بسبب ارتباطه بالسكان الأصليين، فلجًأ البعض لاختراع مسمى "أهل البحرين" والذي يعني في اللغة العربية ما يعنيه لفظ "البحارنة" أو "البحرانيون". ولكن المشكلة بالنسبة لهؤلاء كانت في اللفظ وليس في المعنى.
تقسيم لوريمر لشيعة المنامة، نلاحظ ان البحارنة اثنية تنتمي لمناطق البحرين الكبرى
وأن كلمة عرب تستخدم بمعنى قبائل لا بمعنى سنة.
وفي هذا المقام يحسن الاستشهاد بقول لوريمر: [ ويجب الحذر من الاعتقاد بأن البحارنة معناها (أهالي البحرين)، على العكس فان ساكن البحرين السني يتبرأ من اسم "بحراني" ويصف الطبقة التي ينتمي إليها هو نفسه "بأهل البحرين" كما يستخدم على طول الساحل الغربي للخليج العرب اصطلاح "بحراني" عملياً كمرادف للمسلم الشيعي الذي تكون لغته الأصلية هي العربية]
4. توصيف المواطن، عودة لفظ بحراني لمدلوله الأصلي:-
مع بدايات نشأة الدولة الحديثة في البحرين، القائمة على مفهوم المواطنة وتنظيم العلاقات بين الحكم والشعب برزت مشكلة توصيف المواطن، فكونك تنتمي للبحرين يعني أنك بحراني، وهنا شاع استخدام اللفظ من قبل الوطنيين خصوصاً مع بدايات نشوء الصحافة والتعليم، فأصبح الأمر طبيعياً وخرج لفظ بحراني من مدلولاته القومية والمذهبية وتوجه الى مدلوله الصحيح، فأصبح يتداول بين الناس بمدلوله الأصلي، دون اعتبارات للدين أو القومية، وهنا نذكر امثلة على ذلك.
بحراني من آل خليفة .. استخدام اللفظ بمدلوله الأصلي من كتاب منتظم الدرين للشيخ التاجر
1. المؤتمر الوطني البحراني، وهي حركة اصلاحية نشأت في مطلع العشرينات بين مجموعة من العرب والهولة، بقيادة الشيخ عبدالوهاب الزياني وأحمد بن لاحج (لاحق) البوفلاسة. ولم يكن فيهم شيعي واحد، الا أنهم لم يجدوا نسبة لحركتهم غير النسبة العربية الصحيحة.
2. استخدم الكتاب والمثقفين الوطنيين الأوائل لفظ بحراني بدلالته الأصلية كالمناضل المرحوم عبدالرحمن الباكر، والشيخ محمد علي التاجر في كتابه منتظم الدرين .
3. استخدم لفظ بحراني في مدونات وخطابات الحركات الوطنية، فهيئة الاتحاد الوطني كانت تبدأ بياناتها بجملة (الى الشعب البحراني الكريم) وجبهة التحرير البحرانية تستخدم ذات اللفظ العربي الصحيح.
4. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فالإعلانات التجارية والمنشورات الرسمية كانت تستخدم نفس اللفظ أيضاً، وهنا نشير الى ان طلبة البحرين لحد اليوم يدرسون قصيدة بعنوان الخليج العربي للشاعر الكويتي أحمد السقاف، والتي يقول فيها.
أي فرق ٍ تراه بين كريم ٍ ** من عمان ٍ وماجد ٍ بحراني
منشور حكومي يدعوا المدرسين للإلتزام بالملابس الوطنية البحرانية
5. المؤسسة الرسمية ترسخ الدلالة المذهبية للفظ "بحراني":-
بعد أن عاد لفظ "بحراني" لمدلوله الأصلي، وشاع استخدامه وفقاً لمعناه اللغوي الصحيح اعتمدت المؤسسات الرسمية بعد الاستقلال 1971 وصف "بحريني" للدلالة على المواطن المنتمي للبحرين، وبهذا أصبح هذا الوصف متداولاً في الصحف والدوائر الرسمية والتلفزيون، وهو لفظ غير عربي كم أسلفنا، الا أن تداول هذا الوصف"بحريني" ادى الى ترسيخ الدلالة المذهبية للفظ "بحراني" فأصبح "البحريني" يعني السني و"البحراني" يعني الشيعي … وهذه معضلة لا تزال تقسم المجتمع، و الغريب أنك اذا استخدمت لفظ بحراني بمعناه الأصلي فانك ستتهم بالطائفية، في حين أن هذا المدلول تلاشى كما سبق وأن بينا.
إستخدام طبيعي للفظ "بحراني" من قبل شخص سني – مالكي كان يعيش في جزيرة سماهيج قبل قرابة 500 سنة
وهذه بواكير الوجود السني مع سيطرة الجبور ومن ثم البرتغاليين على البحرين
6. دعوة للعودة الى لفظ "بحراني":-
بعد هذا الاستعراض التاريخي، أرى أن من الجيد استخدام لفظ بحراني بمدلوله اللغوي الأصلي، بصورة طبيعية كما استخدمه المثقفون والقادة الوطنيون سابقاً، وكما استخدمه كل من سكن البحرين في السابق دون حساسية، سواء كان من البحارنة القدامى ابناء ربيعة، أو ممن خالطهم من السادة أو من غيرهم، وكذلك من عاش من السنة في الزمن القديم كعبدالله بن محمود الأنصاري المالكي البحراني الذي نسخ كتاب الروض الزاهر وكان يعيش في جزيرة سماهيج أيام السيطرة البرتغالي قبل قرابة 500 سنة.