قالوا

 يعيش الجميع اليوم عصر الثورة المعلوماتية التي تنتشر فيها الأفكار و المعلومات بسرعة و سهولة من و إلى أي بقعة من بقاع العالم، و لكن ما فائدة هذا الكم الهائل من المعلومات في ظل هيمنة رأي واحد و فلسفة واحدة على نوعية هذه المعلومات، و أعني بذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي تعكس بمثل هذه الأفعال حقيقة العالم الذي تمثله و تريد في نفس الوقت.

الأستاذ علي السكري
من الذي صام؟ الدرازيون أم النعيميون؟   |    في ذمة الله الشَّابة زهراء عبدالله ميرزا صالح   |   ذمة الله تعالى الحاجة جميلة حسن عبدالله    |   على السرير الأبيض الحاج خليل إبراهيم البزاز أبو منير    |   برنامج مأتم الجنوبي في ذكرى ولادة السيدة الزهراء    |   في ذمة الله حرم الحاج عبدالله سلمان العفو (أم ياسر)   |    في ذمة الله الطفلة زهراء جابر جاسم عباس   |   نبارك للأخ الطالب محمد حسن علي ثابت حصوله على الماجستير في إدارة الأعمال    |   رُزِقَ الأخ عبدالله علي آل رحمة || كوثر || 12/12/2021   |   دورة تغسيل الموتى    |   
 
 الصفحة الرئيسية
 نبذة تاريخية
 أنشطة وفعاليات
 مقالات
 تعازي
 شخصيات
 أخبار الأهالي
 إعلانات
 النعيم الرياضي
 تغطيات صحفية
 ملف خاص
 خدمات الشبكة
 المكتبة الصوتية
 معرض الصور
 البث المباشر
 التقويم الشهري
 أرسل خبراً
 اتصل بنا
 
مقالات الأستاذ حسين المحروس
 
مَنجـرة حـبيب
صحيفة الوقت - 2009/02/24 - [الزيارات : 47559]

الوقت - نص وتصوير: حسين المحروس:
لم يبق من قلم الرصاص في شارع المهزع إلا رائحته.
النجار الحاج حبيب علاوي (73 سنة) كان أكثر النجارين الماهرين صموداً في هذا الشارع حتى وفاته قبل أسبوعين. المسافة بين رحيله وتوقفه عن عمله لحظة وفاته، حتى خُيّل إليّ بعد وفاته أنّ منجرته التي لم تعد تكفي لحركة غيره فيها سوف تفتح أبوابها بمحض إرادتها، وبقوة الإنجاز والحيوية سوف يملأ الحاج حبيب المكان بهما. خيّل إليّ أنّ منشاره الكهربائي سيدور لوحده، وأنّ قلمه الرصاص الذي نعته بصفات في شهر يونيو/ حزيران 2006 لن يتوقف عن تخطيطاته وضياع رائحته في هذه المنجرة.
يومها قال لي بثقة الراوي «كان الشارع يضجّ بالنجّارين، ويمكنك أن تلحظ قلم الرصاص الإنجليزي واضحاً خلف آذانهم ولكلّ واحد منهم معه سيرة. عرفتُ قلم الرصاص بعد أن صرتُ نجّاراً مُحترفاً وعمري ثلاثة عشر (13) عاماً. مرّت عليّ أشكال وأصناف منه، وكنت أتساءل كيف يُوضع الرصاص في داخله؟ يسميّ النجارون الخطّ به (نيشان) والجمع (نَياشين) وهو (نيشانهم) المطمئن على سلامة قطع الأخشاب أو حفرها».
عاد لعمله في إشارة واضحة منه أنّي لا أشغله.. توقف ثمّ قال:
«لكن ماذا يحدث عندما يفقد النجار قلمه الرصاص في فوضى منجرته الصغيرة، وكثرة انشغالاتها تماماً مثل ما ترى منجرتي الآن؟ لا فراغ فيها؟ هل يتوقف عن العمل؟ هل يغادر لشراء قلم آخر؟ النجار الماهر لا يتوقف عند ذلك خصوصاً عندما يكون «غايص» في عمله. مسمار صغير يكفي لتحديد مكان قطع المنشار». في صباح يوم وفاته أوقفني جاري المسنّ قال «هل عرفت أن الحاج حبيب علاوي توفي؟» أظهرت له أسفي عليه، وترحمت له. عاد قال «كان معنا نشرب الشاي الأحمر أمس.. اليوم رحل.. صار الموت ببلاش».
شغلني توقفه القسري بقوة الموت عن العمل وهو الذي لم أره في هيئة استرخاء حتى خارج منجرته. حيوي كأنّ الحيوية لم تعطَ إلاّ له، كلّما رحل نجار من شارع المهزع وهبه حيويته، طاقته، ولفتة الانجاز فيه. ويكاد يكون أكثر النجارين تمكّناً من الحديث وإدارته له. أبدى اقتراحات عدة على آلات النجارة خصوصا الكهربائية منها. نسب لنفسه تحديثاً مهماً على آلة الحفر في الخشب. وضعها أمامي في منجرته قال «هذا التحديث يمكنك أكثر من العمل بيسر في الخشب بدلاً من السرعة المفرطة في آلات الحفر الهندية التجارية».
كنت أتساءل ماذا بقي من ذلك الاحترام الذي يظهره النجارون عندما يرحل نجار منهم عن الحياة؟ وهو طقس ورثوه من أجدادهم صنّاع السفن «القلافين».
في يوم الرحيل يضع القلافون والنجارون أدواتهم في صناديقها. يتوقف العمل في العَماير والورش للمشاركة في الأجر والثواب. وعندما تنتهي مراسيم الدفن لا يستأنفون أعمالهم، لا يعودون إلى عمايرهم، ولا تُحسب لهم أجرة هذا اليوم حتى لو حدثت الوفاة فيه بعد صلاة الظهر. هذا اتفاق عرفي غير مكتوب وغير مدوّن بينهم وبين أصحاب الورش. كأنّ الجنازة خسارة. يصرّ القلافون والنجارون على استمرار هذه العادات حتى لو على أنفسهم. يبدون شديد الاحترام لمكانة الراحل، يستعيدون حكاياته معهم ويتأسفون.
رحل عن منجرته الصغيرة وترك رائحته فيها، ورائحة قلم الرصاص.

طباعة : نشر:
 
جميع المشاركات تعبر عن رأي كاتبها
 
الاسم التعليق